النبي عليه السلام نعمة كبيرة ، ومنة عظيمة امتن الله بها على عباده ، ليخرجهم
من الظلمات إلى النور . قال تعالى في سورة آل عمران (164) :" لقد من الله على
المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم .." ، يقول سيد قطب : إنها المنة العظمى أن
يبعث الله فيهم رسولا ، وأن يكون هذا الرسول " من أنفسهم " .. إن العناية من
الله الجليل بإرسال رسول من عنده إلى بعض خلقه هي المنة التي لا تنبثق إلا من
فيض الكرم الإلهي ، المنة الخالصة التي لا يقابلها شيء من جانب البشر ، ..
وللتعبير القرآني " من أنفسهم " ظلال عميقة الإيحاء والدلالة ، إن الصلة بين
المؤمنين والرسول هي صلة النفس بالنفس ، لا صلة الفرد بالجنس ، فليست المسألة
أنه واحد منهم وكفى ، إنما هي أعمق من ذلك وأرقى ، ثم إنهم بالإيمان يرتفعون
إلى هذه الصلة بالرسول ، ويصلون إلى هذا الأفق من الكرامة على الله .
والنبي عليه السلام خير خلق الله كلهم ، وله علينا فضل عظيم ، ومهما فعلنا فلن
نستطيع أن نوفيه حقه .
فإن فضل رسول الله ليس له = حد فيعرب عنه ناطق بفم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر = وأنه خير خلق الله كلهم
وكان عليه السلام – كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها – خلقه القرآن ، فلقد كان
أحلم الناس ، وأسخاهم ، وأعفهم ، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان لا
يجفو على أحد ، وما لعن امرأة ولا خادما قط ، وما ضرب أحدا بيده قط إلا أن
يجاهد في سبيل الله ، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله ، وكان أصدق
الناس لهجة ، وأوفاهم ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة .
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا = منها وما يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل = يغرى بهن ويولع الكرماء
أيها المسلمون ، لقد كان الصحابة الكرام يحبون النبي عليه السلام حبا عظيما ،
ويفدونه بأرواحهم وأهليهم وأموالهم ، بل إن الجمادات أيضا كانت تحبه ، فكلكم
يعرف قصة الجذع الذي أن لفراقه عندما خطب من فوق المنبر الذي صنع له ...
وألقي حتى في الجمادات حبه = فكانت لأهداء السلام له تهدى
وفارق جذعا كان يخطب عنده = فأن أنين الأم إذ تجد الفقدا
يحن إليه الجذع يا قوم هكذا = أما نحن أولى أن نحن له وجدا
إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة = فليس وفاء أن نطيق له بعدا
فهل نحن نحب ارسول عليه السلام ؟ وما الدليل على حبنا له ؟ هل يكفي أن نقول أننا
نحب الرسول بألسنتنا ؟ وهل المقاطعة ، والمدائح النبوية ، والتذكير بمولده
–عليه السلام - ، يكفي للتعبير عن حبه ونصرته ؟ وهل حالنا اليوم يسره ؟ أيها
المسلمون ، إن النصرة الحقيقية للنبي الكريم تكون بطاعته ، والسير على هديه ،
واتباع سنته ، وتفعيل سيرته في حياتنا ، وباتخاذه قدوة ، وبتربية أولادنا على
حبه . قال الإمام مالك : إن السنة مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف
عنها غرق . وقال أبو بكر – رضي الله عنه - : لست تاركا شيئا كان رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – يعمل به إلا عملت به ، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن
أزيغ . وقد كان الصحابة يحافظون على اتباع السنة ، فقد قال ابن مسعود – رضي
الله عنه - : من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ،
فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا
، وأحسنها حالا ، اختارهم الله لصحبة نبيه عليه السلام ، وإقامة دينه ، فاعرفوا
لهم فضلهم ، واتبعوهم في آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم .
فكن أيها المسلم محبا لرسول الله عليه السلام ، حريصا على تطبيق سنته ، مكثرا
من الصلاة عليه ، لعله يشفع فيك في الآخرة ...
عليك بإكثار الصلاة مواظبا = على أحمد الهادي شفيع الورى طرا
وأفضل خلق الله من نسل آدم = وأزكاهم فرعا وأشرفهم فخرا
فقد صح أن الله جل جلاله = يصلي على من قالها عشرا
فصل اللهم على من علمنا الحب ، وآخى القلب مع القلب ، وفتح للخير كل درب .